فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه وثب بغا الصغير ووصيف على باغر التركي فقتلاه فشغبت الأتراك عند مقتله وذلك لخمس خلون من المحرم وهموا بقتل بغا ووصيف فانحدر المستعين إلى بغداد لأجل الشعب واختلف جند بغداد وجند سامراء وبايع أهل سامراء المعتز وأقام أهل بغداد على الوفاء ببيعة المستعين ثم صار الجند إلى المستعين فرموا أنفسهم بين يديه وسألوه الصفح عنهم فقال لهم‏:‏ أنتم أهل بغي وبطر وفساد واستقلال للنعم ألم ترفعوا إلي في أولادكم فألحقتهم بكم وهم نحو من ألفي غلام وفي بناتكم فأمرت بتصييرهن في عدد المتزوجات وهن نحو من أربعة آلاف امرأة وأدررت عليكم الأرزاق حتى سكبت لكم آنية الذهب والفضة قالوا‏:‏ أخطأنا ونحن نسأل العفو ‏.‏

قال‏:‏ إن كنت قد صفحت فاركب معنا إلى سامراء فقال‏:‏ اذهبوا أنتم وأنا أنظر في أمري فانصرفوا واجمعوا على إخراج المعتز والبيعة له وكان المعتز والمؤيد في حبس في الجوسق فخلعوا المستعين وأخرجوا المعتز وفبايعوه بالخلافة ‏.‏

 ذكر خلافة المعتز بالله

وأسمه‏:‏ محمد بن المتوكل وقيل اسمه‏:‏ الزبير ويكنى‏:‏ أبا عبد الله وكان طويلًا أبيض أسود الشعر كثيفه حسن الوجه والعينين والجسم ضيق الجبهة أحمر الوجنتين ولد بسامراء وبقي منذ بويع أربع سنين وبعض أخرى ولما بويع المعتز أمر للناس برزق عشرة أشهر فلم يتم المال فأعطوا رزق شهرين وكان المستعين خلف سامراء مالًا قدم عليه به نحوًا من خمسين مائة ألف وكان في بيت مال المستعين ألف ألف دينار وفي بيت مال العباس بن المستعين ستمائة ألف وأحضر للبيعة أبو أحمد بن الرشيد محمولًا في محفة وبه نقرس فأمر بالبيعة فامتنع وقال للمعتز‏:‏ خرجت إلينا خروج طائع فخلعتها وزعمت أنك لا تقوم بها ‏.‏

فقال المعتز‏:‏ أكرهت على ذلك وخفت السيف ‏.‏

فقال أبو أحمد‏:‏ ما علمنا أنك أكرهت وقد بايعنا هذا الرجل أفتريد أن نطلق نساءنا ونخرج من أموالنا ولا اتركوه ‏.‏

فرد إلى منزله وبايع جماعة ثم صار إلى بغداد وولي المعتز العمال ‏.‏

وبلغ الخبر المستعين فأمر محمد بن عبد الله بن طاهر بتحصين بغداد فأدير عليها السور من دجلة إلى باب الشماسية ثم سوق الثلاثاء ورتب على كل باب قائد وأمر بحفر الخنادق فبلغت النفقة ثلثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار ونصبت المجانيق والعرادات وفرض لقوم من العيارين فروضًا وجعل عليهم عريفًا وعمل لهم تراسًا من البواري المقيرة ومخالي يملؤها حجارة وأنفق على تلك البواري مائة ألف دينار وأمر بقطع الميرة عن سامراء وكتب إلى العمال أن يحملوا الأموال إلى بغداد ثم أمر المستعين أن يكتب إلى الأتراك والجند الذين بسامراء يأمرهم بنقض بيعة المعتز ومراجعة الوفاء له ببيعتهم ثم جرت بين المعتز وبين ابن طاهر مراسلات يدعوه المعتز إلى خلع المستعين ومبايعته وكتب المعتز والمستعين إلى موسى بن بغا وهو مقيم بأطراف الشام كل يدعوه إلى نفسه فانصرف إلى المعتز وكان معه وقدم عبد الله بن بغا الصغير إلى بغداد على أبيه وكان قد تخلف بسامراء حين خرج أبوه منها مع المستعين فصار إلى المستعين واعتذر إليه وقال لأبيه‏:‏ إنما قدمت إليك لأموت تحت ركابك فأقام ببغداد أيامًا ‏.‏

ثم إنه استأذن ليخرج إلى قرية بقرب بغداد على طريق الأنبار فأذن له فأقام فيها إلى الليل ثم هرب من تحت الليل فمضى في الجانب الغربي إلى سامراء مجانبًا لأبيه واعتذر إلى المعتز من مصيره إلى بغداد فأخبر المعتز أنه إنما صار إليها ليعرف أخبارهم فيخبره بها فقبل ذلك منه ورده إلى خدمته ‏.‏

وورد الحسن بن الأفشين إلى بغداد فخلع عليه المستعين وضم إليه جماعة كثيرة وزاد في رزقه ستة عشر ألف درهم من كل شهر ولم يزل أسد بن داود مقيمًا بسامراء إلى أن عمل على الهرب منها فدخل على ابن طاهر فضم إليه مائة فارس ومائتي راجل ووكله بباب الأنبار مع عبيد الله بن موسى بن خالد ‏.‏

وعقد المعتز لأخيه أبي أحمد بن المتوكل يوم السبت لسبع بقين من المحرم في هذه السنة على حرب المستعين وابن طاهر وولاه ذلك وضم إليه الجيش وجعل إليه الأمر والنهي فوافى حسن بن الأفشين مدينة بغداد ثم وافى أبو أحمد وعسكر بالشماسية ليلة الأحد لسبع خلون من صفر وجاء جاسوس إلى ابن طاهر لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر فأخبره أن أبا أحمد قد عبأ قومًا يحرقون طلال الأسواق من جانبي بغداد فكشطت في ذلك اليوم فلما كان في ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر عزم محمد بن عبد الله بن طاهر على توجيه الجيوش إلى القفص لمعرضهم هناك فذهب به الأتراك فركب وركب معه وصيف وبغا وخرج معه الفقهاء والقضاة وعزم على دعائهم إلى الرجوع إلى الحق وبعث يبدلهم الأمان على أن يكون أبو عبد الله ولي العهد بعد المستعين فإن قبلوا وإلا باكرهم القتال يوم الأربعاء ‏.‏

فمضى نحو باب قطربل فنزل على شاطئ دجلة هو ووصيف وبغا ثم رجع وجاء الأتراك إلى باب الشماسية فرموا بالسهام والمجانيق والعرادات وكان بينهم قتلى وجرحى وانهزم عامة أهل بغداد وثبت أهل البواري ثم انصرف الفريقان وقد نسا ووافى للقتل والجراح ‏.‏

ثم وجه المعتز عسكرًا كبيرًا فضربوا بين قطربل وقطيعة أم جعفر وذلك عشية الثلاثاء لاثنتي عشرة بقيت من صفر فلما أصبحوا وجه ابن طاهر جيشًا فالتقوا فاقتتلوا فوضعوا في أصحاب أبي أحمد السيوف فلم ينج إلا أقلهم وانتهبوا عسكرهم وأمر ابن طاهر لمن أبلى في هذا اليوم بالأسورة وأعطى من جاءه برأس تركي خمسين درهمًا وطلبت المنهزمة فبلغ بعضهم أوانا وبعضهم سامراء ‏.‏

وكان عسكر الأتراك يومئذ أربعة آلاف فقتل بينهم ألفان ووضع فيهم السيف من باب القطيعة إلى القفص وغرق جماعة وأسر جماعة ‏.‏

ووافى عيارو بغداد قطربل فانتهبوا ما تركه الأتراك من متاع وأشير على ابن طاهر أن يتبعهم بعسكر فأبى أن يتبع موليًا ولم يأمر أن يجهز على جريح وقبل أمان من استأمن وأمر أن يكتب وركب محمد بن عبد الله بن طاهر يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر إلى الشماسية فأمر بهدم ما وراء سور بغداد من الدور والحوانيت والبساتين وقطع النخل والشجر من باب الشماسية لتتسع الناحية من حارب فيها ووجه من ناحية فارس والأهواز مالًا إلى بغداد على نيف وسبعين حمارًا فوجه أبو أحمد بن بابك في ثلاثمائة فارس ليأخذ ذلك المال فوجه ابن طاهر من عدل به عن الطريق ففات ابن بابك فعدل ابن بابك حين فاته المال إلى النهروان فأوقع بمن كان فيها من الجند وأحرق السفن وانصرف إلى سامراء ورأى العوام بسامراء ضعف المعتز فانتهبوا سوق الحلي والسيوف والصيارفة ‏.‏

ولليلة بقيت من صفر صار الأتراك والمغاربة أصحاب المعتز إلى أبواب بغداد من الجانب الشرقي فأغلقت الأبواب في وجوههم ورموا بالسهام والمجانيق فقتل وجرح من الفريقين جماعة‏.‏

وجاء عسكر سامراء فركب محمد بن عبد الله ومعه أربعة عشر قائدًا من قواده فسار حتى جاز عسكر أبي أحمد وقتل من عسكر أبي أحمد أكثر من خمسين وخرج غلام لم يبلغ الحلم بيده مقلاع ومخلاة فيها حجارة وكان يرمي فلا يخطئ وجوه الأتراك ووجوه دوابهم وكان الأتراك يرمونه فلا يصيبونه فجاء أربعة بالرماح فحملوا عليه فرمى نفسه إلى الماء فنجا ‏.‏

وحمل إلى سامراء سبعون أسيرًا ومائة وأربعون رأسًا وأمر المعتز بالرؤوس فدفنت وأعطى وبعث ابن طاهر إلى المدائن من حصنها وحفر خندق كسرى وإلى الأنبار من ضبطها فجاءت الأتراك إلى الأنبار فهرب واليها فدخلوا فانتهبوا ما فيها ‏.‏

وفي النصف من رجب اجتمع بنو هاشم ببغداد فوقفوا بإزاء محمد بن عبد الله فتناولوه بالشتم القبيح وقالوا وصاحوا بالمستعين‏:‏ قد منعنا أرزاقنا والأموال تدفع إلى من لا يستحقها ونحن نموت جوعًا فإن وقع لنا بها وإلا فتحنا الأبواب وأدخلنا الأتراك ‏.‏

فبعث إليهم من رفق بهم فأبوا ‏.‏

وفي يوم الخميس لاثني عشرة ليلة خلت من شعبان كانت وقعة بين الأتراك وبين ابن طاهر وذلك أن الأتراك نقبوا السور ووافوا باب الأنبار فأحرقوه بالنار وأحرقوا ما كان بقي من المجانيق والعرادات ودخلوا بغداد حتى صاروا إلى باب الحديد فركب ابن طاهر ووجه القواد وشحن الأبواب بالرجال وركب وصيف وبغا والتقوا بالأتراك فهزموا الأتراك وسد باب الأنبار بآجر وجص وكان في هذا اليوم حرب شديدة بباب الشماسية ‏.‏

وفي ذي القعدة‏:‏ كانت وقعة شديدة لأهل بغداد وهزموا فيها الأتراك وانتهبوا عسكرهم فراسل ابن طاهر المعتز في الصلح فقال الناس‏:‏ إنما تريد أن تخلع المستعين وتبايع المعتز ‏.‏

فشتموه ولقي منهم شدة حتى أشرف عليهم المستعين ومعه ابن طاهر وحلف لهم إني ما أتهمه فكان المستعين مقيمًا في دار ابن طاهر فانتقل إلى دار رزق الخادم بالرصافة من أجل أن العوام أرادوا إحراق دار ابن طاهر وأغلقت أبواب بغداد على أهلها فصاحوا‏:‏ الجوع ولم يزل محمد بن عبد الله بن طاهر جادًا في نصرة المستعين إلى أن قال له جماعة‏:‏ إن هذا الذي تنصره أمر وصيفًا وبغا بقتلك فلم يفعلا فتنكر له ‏.‏

ثم ركب إليه في ذي الحجة فناظره في الخلع فامتنع وظن المستعين أن بغا ووصيفًا معه فكاشفاه فقال المستعين‏:‏ هذه عنقي والسيف والنطع ‏.‏

ثم انصرف ابن طاهر فبعث إليه المستعين يقول‏:‏ اتق الله فإن لم تدفع عني فكف عني ‏.‏

فقال‏:‏ أما أنا فأقعد في بيتي ولكن لا بد من خلعها طائعًا أو مكرهًا ‏.‏

فلما رأى المستعين ضعف أمره أجاب إلى الخلع فوجه ابن طاهر إلى أبي أحمد كتابًا بأشياء سألها المستعين حتى يجيب إلى الخلع فأجابه إلى ما سأل وكان في سؤاله‏:‏ أن ينزل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون مضطربه فيما بين مكة والمدينة فأجيب وذلك لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة ‏.‏

فلما كان يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة ركب محمد بن عبد الله إلى الرصافة وجمع القضاة فأدخلهم على المستعين فوجًا فوجًا وأشهدهم عليه أنه قد صير أمره إلى محمد بن عبد الله وأعد للخروج إلى المعتز في الشروط التي اشترطها للمستعين ولنفسه ولقواده فخرجوا إلى المعتز فوقع على ذلك بخطه ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ تحركت العلوية في النواحي فخرج الحسين بن زيد بن محمد على طبرستان وخرج بالري علي بن جعفر بن حسين بن علي بن عمر وخرج الحسن بن أحمد الكوكبي فسار إلى الديلم ‏.‏

وخرج بالكوفة رجل من الطالبيين يقال له‏:‏ الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن حسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب وتبعه جماعة كثيرة فبعث إليه قائدًا فأسره وحبسه وأحرق بالكوفة ألف دار ‏.‏

وظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب بمكة فانتهب إسماعيل منزل جعفر ومنازل أصحاب السلطان وقتل الجند وجماعة من أهل مكة وأخذ ما في الكعبة من المال وما في خزائنها من الطيب والكسوة وما حمل لإصلاح القبر من المال وأخذ من الناس نحوًا من مائتي ألف دينار وانتهب مكة وأحرق بعضها ‏.‏

ثم خرج بعد خمسين يومًا إلى المدينة فتوارى عاملها علي بن الحسين بن إسماعيل ثم رجع إسماعيل إلى مكة في رجب فحاصرها حتى مات أهلها جوعًا وعطشًا وبلغ الخبز ثلاث أواقٍ بدرهم واللحم رطل بأربعة دراهم وشربة ماءٍ ثلاثة دراهم ولقي أهل مكة كل بلاءٍ ‏.‏

ثم رحل بعد سبعة وخمسين يومًا إلى جدة فحبس عن الناس الطعام وأخذ أموال التجار وأصحاب المراكب وحمل إلى مكة الحنطة والذرة من اليمن ثم وافى الموقف يوم عرفة وهناك ولاه المستعين فقتل نحو ألف ومائة من الحاج وسلب الناس فهربوا إلى مكة ولم يقفوا بعرفة ليلًا ولا نهارًا ووقف هو وأصحابه ثم رجعوا إلى جدة فأفنى أموالها ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي ولد بمرو ورحل إلى العراق والحجاز والشام

فسمع سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وابن مهدي ووكيع بن جراح والنضر بن شميل ‏.‏

وحدث ببغداد فسمع منه إبراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد وكان عالمًا ثقة مأمونًا فقيهًا دون عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه المسائل وكان أحمد لا يؤثر أن يكتب كلامه فقال يومًا‏:‏ بلغني أن الكوسج روى عني مسائل بخراسان اشهدوا أني رجعت عن ذلك كله ‏.‏

ثم قدم الكوسج فدخل على أحمد فما ذكر له شيئًا عن ذلك ‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنه جاء بتلك المسائل إلى بغداد وعرضها على أحمد فأقر له بها وعجب من ذلك

استوطن الكوسج نيسابور وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ‏.‏

حميد بن زنجويه أبو أحمد الأزدي وزنجويه لقب واسمه‏:‏ مخلد بن قتيبة بن عبد الرحمن ‏.‏

خراساني من أهل نسا كثير الحديث قديم الرحلة فيه إلى العراق والحجاز والشام ومصر ‏.‏

سمع النضر بن شميل وإسماعيل بن أبي أويس ومحمد بن يوسف الفريابي ‏.‏

ورى عنه‏:‏ البخاري ومسلم في الصحيحين وحدث ببغداد فسمع منه الحربي وابن صاعد والمحاملي وكان ثقة ثبتًا حجة قدم مصر فحدث بها وخرج عنها ‏.‏

فتوفي في هذه السنة زكريا بن يحيى بن عمر بن حصين بن حميد أبو السكين الطائي قدم بغداد فحدث بها عن أبي بكر بن عياش ‏.‏

روى عنه‏:‏ البخاري وأبو بكر بن أبي الدنيا عبد الوهاب بن عبد الحكم ويقال‏:‏ ابن الحكم بن نافع أبو الحسن الوراق سمع يحيى بن سليم ومعاذ بن معاذ العنبري روى عنه أبو داود وابن أبي الدنيا والبغوي وكان ثقة ورعًا زاهدًا كان أحمد يقول‏:‏ عبد الوهاب رجل صالح أمثله يوفق لأصحابه الحق ومن يقوى على ما يقوى عليه عبد الوهاب ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا الأزهري حدثنا محمد بن العباس حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبد الله بن يحيى بن خاقان قال‏:‏ حدثني أبو بكر الحسن بن عبد الوهاب الوراق قال‏:‏ ما رأيت أبي ضاحكًا قط إلا تبسمًا وما رأيته مازحًا قط ‏.‏

ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي فجعل يقول لي‏:‏ صاحب قرآن يضحك هذا الضحك وإنما كنت مع أمي ‏.‏

توفي عبد الوهاب في ذي القعدة من هذه السنة قاله البغوي وقال غيره‏:‏ علي بن الحسن بن عبد الرحمن بن يزيد أبو الحسن الذهلي النيسابوري المعروف بالأفطس ‏.‏

شيخ عصره بنيسابور له مسند مخرج على الرجال في الصحابة ‏.‏

سمع من النضر بن شميل وسفيان بن عيينة وابن أبي داود ووكيع وابن إدريس وحفص بن غياث وأبي بكر بن عياش وإسماعيل بن علية وجرير بن عبد الحميد وغيرهم ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن هشام بن شبيب بن أبي خيرة أبو عبد الله السدوسي البصري حدث عن عبد الوهاب الثقفي ومن في طبقته وكان ثقة ثبتًا حسن الحديث توفي بمصر في هذه السنة ‏.‏

يعقوب بن إسحاق البهلول بن حسان بن سنان أبو يوسف التنوخي الأنباري أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني علي بن المحسن القاضي عن أبي الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق البهلول عن أبيه قال‏:‏ يعقوب بن إسحاق بن البهلول التنوخي يكنى‏:‏ أبا يوسف وكان من حفاظ القرآن العالمين بعدده وقراآته وكان حجاجًا متنسكًا وحدث حديثًا كثيرًا عن جماعة من مشايخ أبيه إسحاق ولم ينتشر حديثه ‏.‏

ولد بالأنبار سنة سبع وثمانين ومائة ومات ببغداد لتسع ليال بقين من رمضان سنة إحدى وخمسين ومائتين ومات في حياة أبيه فوجد عليه وجدًا شديدًا ودفن في مقابر باب التبن وخلف يوسف الأزرق وإبراهيم يتيمين ومات وزوجته حامل فولدت بعد موته ولدًا سمي إسماعيل فرباهم جدهم إسحاق بن بهلول وكان يؤثرهم ويحبهم جدًا ‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ وحدثني عمي إسماعيل بن يعقوب قال‏:‏ أخبرني أبي عن جدي إسحاق بن بهلول أنه كان يقول‏:‏ بودي أن لي ابنًا آخر مثل يعقوب في مذهبه وإني لم أرزق سواه ‏.‏

وأنه لما توفي يعقوب أغمي على إسحاق وفاتته صلوات فأعادها بعد ذلك لما لحقته من مضض المصيبة وأنه كان يقول‏:‏ ابني يعقوب أكمل مني ‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ ما كان من خلع المستعين نفسه من الخلافة وبيعته المعتز على منبري بغداد ومسجدي جانبيها الشرقي والغربي يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم وأخذ البيعة له بها على من كان بها يومئذ من الجند وأشهد عليه بذلك الشهود من بني هاشم والقضاة والفقهاء ونقل المستعين من الموضع الذي كان فيه من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل بالمخرم هو وعياله وولده وجواريه وأخذ منه القضيب والبردة والخاتم ومنع من الخروج إلى مكة فاختار البصرة فقيل له‏:‏ إنها وبية فقال‏:‏ أهي أوبى أو ترك الخلافة‏!‏ وبعث إليه المعتز يسأله النزول عن ثلاث جوار تزوجهن من جواري المتوكل فنزلعنهن وجعل أمرهن إليهن ‏.‏

وفي رجب‏:‏ خلع المعتز المؤيد أخاه من ولاية العهد ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ولي الحسن بن أبي الشوارب قضاء القضاة وكان قد سمي للقضاء جماعة فقدح فيهم وقيل هم رافضة قدرية جهمية من أصحاب ابن أبي داود فأمر المعتز بطردهم من وفيها‏:‏ قتل المستعين ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة‏:‏ محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور من قبل المعتز ‏.‏

 كر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد المستعين بالله أمير المؤمنين ان الجند قد اختلفوا عليه فانحدر من سامراء إلى بغداد فسألوه الرجوع فأبى عليهم فخلعوه وبايعوا المعتز فجرت بينهما حروب كثيرة إلى أن اضطر المستعين إلى خلع نفسه وبايع المعتز ومضى المستعين إلى واسط فكتب المعتز أن يسلم إلى عامل واسط فهلك ‏.‏

ويختلفون في كيفية هلاكه فبعضهم يقول‏:‏ غرق في الماء وبعضهم يقول‏:‏ عذب حتى مات وبعضهم يقول‏:‏ قتل وكان عمره أربع وعشرون سنة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ قتل المستعين بموضع يقال له‏:‏ القادسية في طريق سامراء في شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين ‏.‏

إسماعيل بن يوسف الطالبي‏:‏ الذي فعل بمكة ما قد ذكرناه ذكر أنه مات في هذه السنة ‏.‏

إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو يعقوب التنوخي من أهل الأنبار ولد بها سنة أربع وستين ومائة وسمع من وكيع وأبي معاوية وابن علية ويحيى بن سعيد وابن مهدي وغيرهم ‏.‏

وصنف ‏"‏ المسند ‏"‏ وكان ثقة ‏.‏

حدث عنه إبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا والزناتي وابن صاعد وغيرهم ورحل إلى البلاد في طلب العلم ثم أقام بالأنبار ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن يوسف الأزرق قال‏:‏ أخبرني عمي إسماعيل بن يعقوب قال‏:‏ حدثني عمي البهلول بن إسحاق قال‏:‏ استدعى المتوكل أبي إلى سر من رأى حتى حدثه وسمع منه وقرأ عليه حديثًا كثيرًا ثم أمر فنصب له منبر وكان يحدث عليه وحدث في المسجد الجامع بسامراء وفي رحبة زيرك وأقطعه أقطاعًا في كل سنة مبلغه اثنا عشر ألفًا ورسم له صلة خمسة آلاف درهم في السنة فكان يأخذها وأقام إلى أن قدم المستعين بغداد فخاف أبي أن تكبس الأتراك الأنبار فانحدر إلى بغداد عجلًا ولم يحمل معه شيئًا من كتبه وطالبه محمد بن عبد الله بن طاهر أن يحدث فحدث ببغداد من حفظه بخمسين ألف حديث لم يخطئ في شيء منها وخرج من عنده أصحاب الحديث يومًا وهم يقولون‏:‏ قد حدث بالحديث الفلاني عن سفيان بن عيينة فأخطأ فيه فبلغه فقال‏:‏ ردوهم

فلما رجعوا قال‏:‏ حدثني سفيان بن عيينة بهذا الحديث كما حدثتكم به وحدثني به مرة أخرى بكيت وكيت فذكر الوجه الذي ذكروه ثم قال‏:‏ توفي في ذي الحجة من هذه السنة بالأنبار ‏.‏

الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ‏.‏

واسم أبي شعيب‏:‏ عبد الله بن مسلم الأموي مولى عمر بن عبد العزيز ويكنى الحسن‏:‏ أبا مسلم وهو من أهل حران سكن بغداد وحدث بها فروى عنه ابن أبي الدنيا وابن داود وابن صاعد والمحاملي وكان ثقة مأمونًا وتوفي بسامراء في هذه السنة ياد بن أيوب بن زياد أبو هاشم ‏.‏

طوسي الأصيل يعرف بدلويه ولد سنة سبع وستين ومائة سمع هشيمًا وأبا بكر بن عياش وإسماعيل بن علية وكان ثقة وروى عنه أحمد بن حنبل وقال‏:‏ اكتبوا عنه فإنه شعبة الصغير

وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

علي بن سلمة بن عقبة أبو الحسن القرشي اللبقي النيسابوري سمع حفص بن غياث ومحمد بن فضيل ووكيع بن الجراح وابن علية وغيرهم وروى عنه وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول‏:‏ سمعت داود بن الحسين البيهقي يقول‏:‏ سمعت علي بن سلمة اللبقي يقول‏:‏ رأيت فيما يرى النائم كأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقبل عن يمينه موسى بن عمران وعن يساره عيسى بن مريم فقلت‏:‏ يا رسول الله ما تقول في القرآن فقال‏:‏ ‏"‏ أنا أشهد أن القرآن كلام الله غير مخلوق وموسى بن عمران يشهد وهذا أخي عيسى بن مريم يشهد أن القرآن كلام الله غير مخلوق وهذا في أيام المحنة قال اللبقي‏:‏ وسمعت محمد بن جعفر بن محمد الصناديقي يقول‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ محمد بن بشار بن عثمان بن كيسان أبو بكر البصري يعرف ببندار ولد سنة سبع وستين ومائة سمع غندرا ومحمد بن أبي عدي ووكيع ابن الجراح وابن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وروح بن عبادة وغيرهم ‏.‏

روى عنه إبراهيم الحربي وأبو بكر بن أبي الدنيا والبغوي وغيرهم ‏.‏

قال محمد بن بشار‏:‏ قد كتب عني خمسة قرون وسألوني الحديث وأنا ابن ثماني عشرة سنة فاستحييت أن أحدثهم في المدينة فأخرجتهم إلى البستان وأطعمتهم الرطب وحدثتهم ‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ وبندار ثقة قد أخرج عنه في الصحيحين إلا أنه كانت تغلب عليه العجمة وسلامة الصدر ‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني الجوهري حدثنا محمد بن العباس حدثنا إسحاق بن إبراهيم القزاز قال‏:‏ كنا عند بندار فقال في حديث عن عائشة قالت‏:‏ قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رجل يسخر منه‏:‏ كنا إذا خرجنا من عند روح نروح إلى أبي عبيدة فقال‏:‏ قد بان ذاك عليك ‏.‏

توفي بندار في رجب في هذه السنة ‏.‏

محمد بن بحر بن مطر أبو بكر البزاز سمع يزيد بن هارون وشجاع بن الوليد وأبا النضر وغيرهم ‏.‏

روى عنه أبو جعفر الطحاوي وغيره مفضل بن فضالة بن المفضل بن فضالة بن عبيد بن إبراهيم أبو محمد القباني روى عن أبيه عن جده ‏.‏

توفي في رجب هذه السنة ‏.‏

يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم أبو يوسف العبدي المعروف بالدورقي ‏.‏

وهو أخو أحمد بن إبراهيم - كان الأكبر - رأى الليث بن سعد وسمع إبراهيم بن سعد الزهري والدراوردي وسفيان بن عيينة وغيرهم ‏.‏

روى عنه البخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والنسائي وآخر من حدث عنه‏:‏ محمد بن مخلد وكان حافظًا متقنًا ثقة صنف ‏"‏ المسند‏"‏‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن المعتز عقد في اليوم الرابع من رجب لموسى بن بغا الكبير على الخيل ومعه من الجيش يومئذ ألفان وأربع مائة وثلاثة وأربعون ‏.‏

وفيها‏:‏ خلع المعتز على بغا الشرابي في رمضان وألبسه التاج والوشاحين فخرج بها إلى منزله

وفيها استقضي ابن العنبس على مدينة السلام وصرف أحمد بن محمد بن سماعة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرنا علي بن المحسن قال‏:‏ أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ صرف أحمد بن محمد بن سماعة واستقضي مكانه إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس في هذه السنة وكان يتقلد قضاء الكوفة وهذا رجل جليل القدر حسن الدين وكان سبب صرفه أن الموفق أراد منه أن يدفع إليه أموال اليتامى على سبيل القرض فأبى أن يدفعها إليه وقال‏:‏ لا والله ولا حبة منها فصرفه عن الحكم فرد إلى قضاء الكوفة ‏.‏

وقيل إن هذا كان في سنة أربع وخمسين ‏.‏

وفيها نفى المعتز أبا أحمد بن المتوكل إلى واسط ثم إلى البصرة ثم رد إلى بغداد وأنزل الجانب الشرقي في قصر دينار بن عبد الله ‏.‏

ونفى علي بن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد فأنزل بالجانب الشرقي ‏.‏

 ذكر من توفي هذه السنة من الأكابر

أحمد بن سعيد بن صخر بن سليمان أبو جعفر الدارمي ولد بسرخس وتولى القضاء بها ونشأ بنيسابور وبها مات ‏.‏

رحل في سماع الحديث فسمع خلقًا كثيرًا وكان ثقة حافظًا متقنًا عارفًا بالحديث والفقه روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم في إبراهيم بن سعيد أبو إسحاق الجوهري سمع سفيان بن عيينة وأبا معاوية الضرير وخلقًا كثيرًا ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو حاتم الرازي والنسائي وابن أبي الدنيا وغيرهم وكان مكثرًا ثقة ثبتًا صنف ‏"‏ المسند ‏"‏ وكان لأبيه دنيا واسعة وأفضال على العلماء فلذلك تمكن إبراهيم من السماع وقدر على الإكثار ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد الكاتب قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن جعفر بن خاقان السلمي قال‏:‏ سألت إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حديث لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال لجاريته‏:‏ أخرجي إلي الجزء الثالث والعشرين من ‏"‏ مسند أبي بكر ‏"‏ ‏.‏

فقلت له‏:‏ لا يصح لأبي بكر خمسون حديثًا فمن أين ثلاثة وعشرون جزءًا فقال‏:‏ أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو الحسن بن عثمان الواعظ قال‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد بن أحمد بن الحكم المؤدب حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال‏:‏ سمعت إبراهيم الهروي يقول‏:‏ حج سعيد الجوهري فحمل معه أربع مائة رجل من الزوار سوى حشمه يحج بهم‏!‏ وكان منهم إسماعيل بن عياش وهشيم بن بشير وكنت أنا معهم في إمارة هارون الرشيد انتقل إبراهيم عن بغداد فسكن عين زربة مرابطًا بها إلى أن توفي في هذه السنة ‏.‏

إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد بن يعقوب الشيباني وهو عم أبي عبد الله أحمد بن حنبل ولد سنة إحدى وستين ومائة وسمع يزيد بن هارون وروى عنه ابنه حنبل وكان ثقة ‏.‏

وتوفي في هذه السنة وله اثنتان وتسعون سنة ‏.‏

سعيد بن بحر سمع حسينًا الجعفي وأبا نعيم روى عنه‏:‏ ابن صاعد والمحاملي وكان ثقة ‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

السري بن المغلس أبو الحسن السقطي صحب معروفًا الكرخي وحدث عن هشيم وأبي بكر بن عياش ويزيد بن هارون وكان من العباد المجتهدين ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا ابن زريق حدثنا عثمان بن أحمد حدثنا محمد بن إسماعيل بن عامر قال‏:‏ سمعت حسنًا المسوحي يقول‏:‏ دفع إلي السري قطعة فقال‏:‏ اشتر لي باقلاء ولا تشتر إلا من رجل قدره داخل الباب فطفت الكرخ كله فلم أجد إلا من قدره خارج الباب فرجعت إليه وقلت له‏:‏ خذ قطعتك فإني لا أجد إلا من قدره خارج الباب ‏.‏

أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب وحدثنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز ‏.‏

وحدثنا علي بن الحسن الطفيلي قال‏:‏ سمعت الفرجاني يقول‏:‏ سمعت الجنيد يقول‏:‏ ما رأيت أعبد من السري السقطي أتت عليه ثمانية وتسعون سنة ما رؤي مضطجعًا إلا في علة الموت ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب أخبرنا أبو نعيم أخبرنا جعفر الخالدي في كتابه قال سمعت الجنيد يقول‏:‏ كنت يومًا عند السري بن المغلس وكنا خاليين وهو مؤتزر بمئزر فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيم دنف مضنى كأجهد ما يكون فقال‏:‏ انظر إلى جسدي هذا لو شئت أن أقول إن ما بي من المحبة لكان كما أقول وكان وجهه أصفر ثم أشرب حمرة حتى تورد ثم اعتل فدخلت عليه أعوده فقلت له‏:‏ كيف تجدك فقال‏:‏ فأخذت المروحة أروحه فقال‏:‏ كيف يجد ريح المروحة من جوفه يحترق من داخل ثم أنشأ يقول‏:‏ القلب محترق والدمع مستبق والكرب مجتمع والصبر مفترق كيف القرار على من لا قرار له مما جناه الهوى والشوق والقلق يا رب إن كان شيء فيه لي فرج فامنن علي به ما دام لي رمق توفي السري يوم الثلاثاء لست خلون من رمضان هذه السنة بعد آذان الفجر ودفن بعد العصر وقبره ظاهر بالشونيزية ‏.‏

ورؤي في المنام بعد موته فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي ولمن حضر جنازتي ‏.‏

علي بن شعيب بن عدي بن همام أبو الحسن السمسار طوسي الأصل سمع هشيمًا وابن عيينة وروى عنه البغوي وابن صاعد وكان ثقة توفي في شوال هذه السنة ‏.‏

محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب ولي إمارة بغداد في أيام المتوكل وأبوه أمير وجده أمير وكان مألفًا لأهل العلم والأدب وقد أسند الحديث ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب حدثنا محمد بن علي بن مخلد أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ حدثنا محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا محمد بن موسى قال‏:‏ كان الحسن بن وهب عند محمد بن عبد الله بن طاهر فعرضت سحابة فرعدت وبرقت ومطرت فقال كل من حضر فيها شيئًا فقال الحسن‏:‏ هطلتنا السماء هطلًا دراكًا عارض المرزبان فيها السماكا قلت للبرق إذ توقد فيها يا زناد السماء من أوراكا أحبيب نأيته فجفاكا فهو العارض الذي استبكاكا أم تشبهت بالأمير أبي العب - اس في جوده فلست هناكا أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال‏:‏ حدثني محمد بن غيلان قال‏:‏ أخبرني أبن السكيت أن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الحج فخرجت إليه جارية شاعرة فبكت لما رأت آلة السفر فقال محمد بن عبد الله‏:‏ دمعة كاللؤلؤ الرط - ب على الخد الأسيل هطلت في ساعة البي - ن من الطرف الكحيل ثم قال لها‏:‏ أجزيني فقالت‏:‏ حين هم القمر الزا - هر عنا بالأفول إنما تفتضح العشا - ق في يوم الرحيل أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا عبيد الله بن أحمد حدثنا أبي قال‏:‏ ماذا تقولين فيمن شفه سقم من جهد حبك حتى صار حيرانا فأجابته‏:‏ إذا رأينا محبًا قد أضر به جهد الصبابة أوليناه إحسانا أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا ابن عرفة قال‏:‏ وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة انكسف القمر في أول الليل حتى ذهب أكثره فلما انتصف الليل مات محمد بن عبد الله بن طاهر وكان به خراج في حلقه فاشتد حتى عولج بالفتائل ودفن في مقابر قريش ‏.‏

وصيف التركي كان أميرًا كبيرًا وخدم جماعة من الخلفاء وفي هذه السنة طلب الجند منه أرزاقهم فقال‏:‏ ما عندنا مال فقتلوه فجعل المعتز ما كان إليه إلى بغا الشرابي ‏.‏

أن بعض مشائخ قم قال‏:‏ ورد علينا وصيف التركي أميرًا على بلدتنا فلقيناه فرأيناه عاقلًا راجحًا فسألنا عن أمر بلدتنا وأهله سؤال عالم به وسألنا عن شيوخ البلد إلى أن انتهى إلى ذكر رجل لم يكن مذكورًا فلم يعرفه منا إلا رجل كان معنا ثم أتبع ذكره بتعظيم أمره وتعرف خبر ولده وحاله في معيشته وأطال في ذلك إطالة حتى استجهلناه فيها ثم قال‏:‏ أحضرونيه إحضارًا رفيقًا فإني أكره أن أنفذ إليه فينزعج ‏.‏

فأحضرناه فلما وقعت عينه عليه قام إليه وأجلسه معه في دسته ثم أقبل يسأله عن زوجته وولده والشيخ يجيبه جواب دهش ثم قال له‏:‏ أحسبك قد نسيتني وأنكرت معرفتي ‏.‏

قال‏:‏ كيف أنكر الأمير مع جلالة قدره ‏.‏

فقال‏:‏ دع ذا أتعرفني جيدًا قال‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ أنا وصيف مملوكك ‏.‏

ثم التفت إلينا فقال‏:‏ يا مشايخ أنا رجل من الديلم شببت وقت كذا وكذا وحملت إلى قزوين وسني نحو العشر سنين واشتراني هذا الشيخ وأسلمني مع ابنه في المكتب وأحسن تربيتي فإذا وقع في يدي شيء تركته عند فلان البقال في المحلة يعرف بفلان أهو باق قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ فأحببت بعد بلوغي العمل بحمل السلاح فرآني بعض الجند فقال‏:‏ هل لك أن تجيء معي إلى خراسان فأركبك الدواب وأعطيك السلاح فقلت‏:‏ أفعل على أن لا أكون لك مملوكًا بل غلامًا تابعًا فإن رأيت منك ما أؤثر لم أفارقك وإن لم يكن ذلك فلا سلطان لك علي فقال‏:‏ ذلك لك ‏.‏

فجئت إلى البقال فحاسبته وأخذت ما بقي عنده وابتعت ما أحتاج إليه وهربت من مولاي هذا مع الجندي إلى خراسان وتدرجت بي الأمور حتى بلغت إلى هذه المنزلة وأنا تحت رق مولاي هذا وأسألكم أن تسألوه أن يبيعني نفسي فقال الرجل‏:‏ الأمير حر لوجه الله وأنا عبده ومتحمل بولائه ومفتخر به ‏.‏

فقال وصيف‏:‏ يا غلام هات ثلاث بدر فأحضرت فسلمها إلى الشيخ ثم استدعى له من الطيب والثياب والدواب مثل قدر المال وطلب ابنه فأكرمه وأعطاه عشرة آلاف درهم وثيابًا ودوابًا واستدعى البقال فوهب له خمس مائة دينار ثم بعث إلى زوجة الشيخ وبناته مالًا وقال له‏:‏ انبسط في سلطاننا انبساط من صاحبه مولاك فإني لا أردك عن مطلب تطلبه ولا أعترض عليك في شيء تعمله ثم قال‏:‏ يا مشائخ قم أنتم شيوخي ما على الأرض أوجب حقًا علي منكم إلا أني أخالفكم في الرفض فإني درت الآفاق وعرفت المذاهب فما وجدت على اعتقادكم أحد ومن المحال وقوع الإجماع على ضلال وانفرادكم بين الناس بالحق وصار الشيخ وابنه رئيسي البلدة ‏.‏

هارون بن سعيد بن الهيثم أبو جعفر ‏.‏

مولى لبني سعد بن بكر ولد سنة سبعين ومائة وحدث عن ابن عيينة وابن وهب وكان ثقة وعلت سنه فضعف فلزم بيته ‏.‏

وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه ولي أحمد بن طولون من قبل المعتز ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بغا الشرابي كان قد طغى وخالف أمر المعتز وأستبد بالأموال والأمر فركب المعتز ليلًا وقد تشاغل بغا بتزويجه صالح بن يوسف ابنته فوثب بغا على مال السلطان ومال أمه فأوقر منه عشرين بغلًا فوقعوا به فقتلوه وجاءوا برأسه إلى المعتز فنصبه بسامراء وأعطى الذي جاء برأسه عشرة آلاف دينار ثم حدر برأسه إلى مدينة السلام وأمر بإحراق جسده وحبس جماعة من ولده ونفى خمسة من صغارهم إلى عمان والبحرين ونجا يونس بن بغا إلى بختيشوع ‏.‏

سلم بن جنادة بن سلم بن خالد بن جابر بن سمرة أبو السائب السوائي الكوفي ولد سنة أربع وسبعين ومائة فقدم بغداد وحدث بها عن ابن إدريس وابن فضيل ووكيع وأبي معاوية وحفص بن غياث ومعاوية وأبي نعيم ‏.‏

وروى عنه‏:‏ ابن صاعد والمحاملي وابن مخلد قال البرقاني‏:‏ هو ثقة حجة لا يشك فيه يصلح للصحيح ‏.‏

علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي أحد من يعتقد فيه الشيعة الإمامة أشخصه المتوكل في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بغداد ثم إلى سامراء فقدمها وأقام بها في هذه السنة ودفن في داره فلإقامته بالعسكر عرف بأبي الحسن العسكري وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الأزهري أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد المقرئ حدثنا محمد بن يحيى النديم قال‏:‏ حدثنا الحسين بن يحيى قال‏:‏ اعتل المتوكل في أول خلافته فقال لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة فلما برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك فاختلفوا فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى فقال‏:‏ تتصدق بثلاثة وثمانين دينارًا ‏.‏

فعجب قوم من ذلك وتعصب قوم عليه وقالوا‏:‏ تسأله يا أمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏لقد نصركم الله في مواطن كثيرة‏}‏ فروى أهلنا جميعًا أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطنًا وإن يوم حنين كان الرابع والثمانون وكلما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له وأجدى عليه في الدنيا والآخرة ‏.‏

محمد بن عبد الله بن المبارك أبو جعفر المخرمي قاضي حلوان سمع يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي ووكيعًا وغيرهم ‏.‏

روى عنه البخاري في صحيحه وإبراهيم الحربي والنسائي والباغندي وابن صاعد ‏.‏

وكان ثقة عالمًا بالحديث متقنًا مبرزًا على الحفاظ ‏.‏

محمد بن منصور بن داود بن إبراهيم أبو جعفر العابد الطوسي سمع إسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة وعفان بن مسلم في آخرين ‏.‏

روى عنه‏:‏ البغوي وابن صاعد والمحاملي وغيرهم وكان ثقة خيرًا صالحًا ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرني الحسين بن علي الطناجيري حدثنا عمر بن أحمد الواعظ حدثنا أحمد بن محمد بن سمعت محمد بن منصور الطوسي وحواليه قوم فقالوا له‏:‏ يا أبا جعفر إيش اليوم عندك قد شك الناس فيه يوم عرفة هو أو غيره فقال‏:‏ اصبروا ‏.‏

فدخل البيت ثم خرج فقال‏:‏ هو عندي يوم عرفة ‏.‏

فاستحيوا أن يقولوا له من أين لك ذلك فعدوا الأيام والليالي فكان اليوم الذي قال محمد بن منصور يوم عرفة ‏.‏

قال أبو العباس‏:‏ وكنت أصغر القوم فجاء إليه أبو بكر بن سلام الوراق مع جماعة فسمعت ابن سلام يقول‏:‏ من أين علمت أنه يوم عرفة قال‏:‏ دخلت البيت فسألت ربي تعالى فأراني الناس في الموقف ‏.‏

توفي الطوسي يوم الجمعة لست بقين من شوال من هذه السنة وله ثمان وثمانون سنة ‏.‏

المؤمل بن أهاب بن عبد العزيز أبو عبد الرحمن الربعي كوفي قدم بغداد وحدث بها عن أبي داود الطيالسي ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وغيرهم ‏.‏

روى عنه ابن أبي الدنيا والنسائي والباغندي وكان صدوقًا ‏.‏

وله مع أصحاب الحديث قصة‏:‏ أخبرنا بها أبو منصور القزاز قال‏:‏ حدثني الصوري حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحاج حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن السندي حدثنا محمد بن عمر بن الحسين قال‏:‏ حدثني علي بن محمد بن سليمان قال‏:‏ قدم مؤمل بن إهاب الرملة فاجتمع عليه أصحاب الحديث وكان ذعرًا متمنعًا فألحوا عليه فامتنع أن يحدثهم فمضوا بأجمعهم وألفوا منهم فئتين فتقدموا إلى القاضي وقالوا‏:‏ إن لنا عبدًا خلاسيًا له علينا حق صحبة وتربية وقد كان أدبنا فأحسن التأديب وآلت بنا الحال إلى الإضافة بحمل المحبرة لطلب الحديث وإنا قد أردنا بيعه فامتنع علينا ‏.‏

فقال لهم السلطان‏:‏ وكيف أعلم صحة ما ذكرتم قالوا‏:‏ إن معنا بالباب جماعة من جملة الأرباب وطلاب العلم وثقات الناس ‏.‏

نكتفي بالنظر إليهم دون السؤال عنهم وهم يعلمون ذلك فتأذن بوصولهم إليك لتسمع منهم ‏.‏

فأدخلهم وسمع منهم مقالتهم ووجه خلف المؤمل بالشرط والأعوان يدعونه إلى السلطان فتعزز فجذبوه وجروه فلما دخل عليه قال له‏:‏ ما يكفيك ما أنت فيه من الأباق حتى تتعزز على السلطان امضوا به إلى الحبس ‏.‏

فحبس مؤمل وكان من هيئته أنه أصفر طوال خفيف اللحية يشبه عبيد أهل الحجاز فلم يزل في حبسه أيامًا حتى علم جماعة من إخوانه فصاروا إلى السلطان وقالوا‏:‏ إن هذا مؤمل بن إهاب في حبسك مظلوم ‏.‏

فقال لهم‏:‏ ومن ظلمه قالوا‏:‏ أنت ‏.‏

قال‏:‏ ما أعرف من هذا شيئًا من مؤمل هذا قالوا‏:‏ الشيخ الذي اجتمع عليه الجماعة ‏.‏

قال‏:‏ ذاك العبد الآبق فقالوا‏:‏ ما هو بعبد أبق بل هو إمام من أئمة المسلمين في الحديث ‏.‏

فأمر بإخراجه وسأله عن حاله وصرفه وسأله أن يحله فلم ير مؤمل بعد ذلك متمنعًا امتناعه الأول حتى لحق بالله تعالى ‏.‏

توفي مؤمل بالرملة في رجب هذه السنة

 ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين

أن المعتز جلس في دار العامة للمظالم فعزل وولى وأمضى الأمور وولى سليمان بن عبد الله بن طاهر شرطة بغداد والسواد لست خلون من ربيع الآخر ‏.‏

وفيها‏:‏ أخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبا نوح وعيسى بن إبراهيم فقيدهم وطالبهم بأموال وقبضت أملاكهم وضياعهم ودورهم ‏.‏

ولليلتين خلتا من رجب‏:‏ ظهر عيسى بن جعفر وعلي بن زيد الحسنيان بالمدينة فقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن علي ‏.‏

ولثلاث بقين من رجب خلع المعتز وكان السبب أن الكتاب الذي ذكرنا أن صالح بن وصيف أخذهم لم يقروا بشيء فصار الأتراك إلى المعتز وقالوا له‏:‏ أعطنا أرزاقنا لنقتل لك صالح بن وصيف فأرسل المعتز إلى أمه يسألها أن تعطيه مالًا فقالت‏:‏ ما عندي شيء ‏.‏

ثم وجدوا بعد ذلك في خزانتها ما يزيد على ألف ألف دينار فلما لم يعطهم ولا وجدوا في بيت المال شيئًا اجتمعوا على خلع المعتز فصاروا إليه لثلاث بقين من رجب ثم بعثوا إليه‏:‏ أخرج إلينا فبعث إليهم‏:‏ إني قد أخذت الدواء وقد أضعفني ولا أقدر على الكلام فإن كان أمر لا بد منه فليدخل إلي بعضكم فليعلمني فدخل إليه منهم جماعة فجروا برجله وقميصه مخرق وآثار الدم على منكبيه فأقاموه في الشمس في شدة الحر فجعل يرفع قدمًا ويحط قدمًا من شدة الحر ثم جاء بعضهم يلطمه ويقول‏:‏ اخلعها ثم أدخلوه حجرة وبعثوا إلى ابن أبي الشوارب فأحضروه مع جماعة من أصحابه فقال صالح وأصحابه‏:‏ اكتبوا عليه كتاب خلع فكتب وشهدوا عليه وخرجوا

ثم دفع بعد الخلع إلى من يعذبه فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام ثم جصصوا سردابًا بالجص الثخين وأدخلوه فيه وأطبقوا عليه بابه فأصبح ميتًا وولوا بعده المهتدي بالله ‏.‏

 باب خلافة المهتدي بالله

واسمه محمد بن هارون الواثق بن المعتصم ويكنى‏:‏ أبا إسحاق ويقال‏:‏ أبا عبد الله ‏.‏

ولد بالقاطول في ربيع الأول سنة تسع عشرة ومائتين وكان منزله بسامراء وأمه أم ولد يقال لها‏:‏ قرب ‏.‏

وكان أسمر رقيقًا أجلى رحب الوجه حسن اللحية أشهل العينين عظيم البطن عريض المنكبين قصيرًا طويل اللحية أشيب ‏.‏

بويع بعد المعتز ولم يقبل المهتدي بيعة أحد حتى جيء بالمعتز فخلع نفسه وأخبر عن عجزه عن القيام بما أسندوا إليه من أمر الخلافة ورغبته في وكان خلع المعتز نفسه يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وبويع المهتدي ليوم بقي من رجب ودعي للمهتدي يوم الجمعة أول يوم من شعبان ولم يدع له ببغداد حتى قتل المعتز يوم السبت ليومين من شعبان ‏.‏

وكان المهتدي من أحسن الخلفاء مذهبًا وأجملهم طريقة وأظهرهم ورعًا وأكثرهم عبادة وأسند الحديث ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا ابن رزق حدثنا محمد بن عمرو بن القاضي الحافظ أخبرنا محمد بن الحسن بن سعدان المروزي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الكريم بن عبيد الله السرخسي قال‏:‏ حدثني المهتدي بالله قال‏:‏ حدثني علي بن هاشم بن طبراخ عن محمد بن الحسن الفقيه عن ابن أبي ليلى عن داود عن أبيه عن ابن عباس قال‏:‏ قال العباس‏:‏ ‏"‏ لي النبوة ولكم الخلافة بكم يفتح هذا الأمر وبكم يختم ‏"‏ ‏.‏

قال‏:‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس‏:‏ ‏"‏ من أحبك نالته شفاعتي ومن أبغضك فلا نالته شفاعتي‏"‏‏.‏

 ذكر طرف من سيرته وأحواله

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عمرو بن روح النهرواني قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدثني بعض الشيوخ - ممن شاهد جماعة من العلماء وخالط كثيرًا من الرؤساء - أن هاشم بن القاسم الهاشمي قال‏:‏ كنت جالسًا بحضرة المهتدي عشية من العشايا فلما كادت الشمس تغرب وثبت لأنصرف وذلك في شهر رمضان فقال لي‏:‏ اجلس فجلست فأذن المؤذن وأقام فتقدم وصلى المهتدي بنا ثم ركع وركعنا ‏.‏

ودعى بالطعام فأحضر طبق خلاف عليه رغيف من الخبز النقي وفيه آنية في بعضها ملح وفي بعضها خل وفي بعضها زيت فدعاني إلى الأكل فابتدأت آكل معذرًا ظانًا أنه سيؤتى بطعام له نيقة وفيه سعة فنظر إلي وقال‏:‏ ألم تكن صائمًا فقلت‏:‏ بلى ‏.‏

قال‏:‏ أفلست عازمًا على صوم غد قلت‏:‏ كيف لا وهو شهر رمضان فقال‏:‏ كل واستوف غداءك فليس ها هنا من الطعام غير ما ترى ‏.‏

فعجبت من قوله ثم قلت‏:‏ والله لأخاطبنه في هذا المعنى فقلت‏:‏ ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمته وبسط قدرته ورزقه فقال‏:‏ إن الأمر لعلى ما وصفت والحمد لله ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التعلل والتقشف على ما بلغك فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله فأخذت نفسي بما رأت ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم البزاز حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة وذكر المهتدي فقال‏:‏ حدثني بعض الهاشميين أنه وجد له سفط فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلي فيه ويقول‏:‏ أما يستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز أخبرنا محمد بن أحمد أنه كان قد اطرح الملاهي وحرم الغناء والشرب وحسم أصحاب السلطان عن الظلم وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج فحبس نفسه في الحسبانات لا يخل بالجلوس يوم الاثنين والخميس والكتاب بين يديه ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد العزيز بن علي أخبرنا محمد بن أحمد المفيد حدثنا أبو بشر الدولابي قال‏:‏ أخبرني أبو موسى العباسي قال‏:‏ لم يزل المهتدي صائمًا منذ جلس للخلافة إلى أن قتل ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني علي بن الحسن الجراحي قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد القراريطي قال‏:‏ قال لي عمي عبد الله بن إبراهيم الإسكافي قال‏:‏ حضرت مجلس المهتدي بالله وقد جلس للمظالم فاستعداه رجل على ابن له فأمر بإحضاره فأحضر وأقامه إلى جنب الرجل فسأله عما ادعاه عليه فأقر به فأمره بالخروج إليه من حقه فكتب له بذلك كتابًا فلما فرغ قال له الرجل‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قال الشاعر‏:‏ حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الزاهر لا يقبل الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسر فقال له المهتدي‏:‏ أما أنت أيها الرجل فجزاك الله خيرًا وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت في المصحف ‏{‏ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان مثقال حبة من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين‏}‏ فما رأيت باكيًا أكثر من بكائه ذلك اليوم ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ في سلخ رجب كان ببغداد شغب ووثبت العامة بسليمان بن عبد الله بن طاهر صاحب الشرطة وكان السبب في ذلك أن المهتدي كتب إلى صاحب الشرطة سليمان أن يأخذ البيعة له ببغداد فأحضر أبا أحمد بن المتوكل فهجم العامة وهتفوا باسم أبي أحمد ودعوا إلىبيعته وكانت فتنة قتل فيها قوم ثم سكنوا ‏.‏

وللنصف من شوال هذه السنة‏:‏ ظهر في نواحي البصرة رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان يقول أن جده لأمه خرج مع زيد بن علي على هشام بن عبد الملك وكان من أهل ورزنين وكان عبادًا يتكلم في علم النجوم فربما كتب العوذ فخرج في نفر من الزنج فأخذه محمد بن أبي عون فحبسه ثم أطلقه فخرج في قراب البصرة في مكان يقال له‏:‏ برنجل وجمع الزنج الذين كانوا يكتسحون السباخ فاستغواهم ثم عبر دجلة ونزل الديناري وكان هذا الرجل متصلًا بقوم من أصحاب السلطان يمدحهم ويستميحهم بشعره ثم خرج من سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين إلى البحرين وادعى أنه من ولد علي بن أبي طالب ودعا الناس إلى طاعته فتبعه جماعة وأباه جماعة فوقع بينهم قتال على ذلك فانتقل عنهم إلى الإحساء فضوى إلى حي من بني تميم وصحبه جماعة من أهل البحرين ثم كان ينتقل في البادية من حي إلى حي ولم يزل أمره يقوى إلى سنة سبعين وكان يقول‏:‏ أوتيت آيات من آيات القرآن إمامتي منها لقيت سورًا من القرآن لا أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة منها‏:‏ سبحان والكهف وص وألقيت نفسي على فراشي فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له وأقيم فيه إذ نبت بي البادية فأظلتني سحابة فبرقت ورعدت وقيل لي‏:‏ أقصد للبصرة فمضى إليها فقدمها في سنة أربع وخمسين ‏.‏

ونزل في بني ضبيعة فاتبعه جماعة منهم علي بن أبان المهلبي ووافق ذلك فتنة البصرة بالبلالية والسعدية فرجى أن يتبعه منهم أحد فلم يتبعه فهرب وطلبه محمد بن رجاء عامل السلطان بها فلم يقدر عليه فأتى بغداد فأقام بها فاستمال جماعة فلما عزل محمد بن رجاء عن البصرة وثب رؤوس الفتنة من البلالية والسعدية ففتحوا الحبوس وأطلقوا من كان فيها فبلغه ذلك فخرج إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين وأخذ حريرة وكتب عليها‏:‏ ‏{‏إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏ وكتب اسمه واسم أبيه وعلقها على رأس مردي وخرج في السحر من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان فلقيه غلمان فأمر بأخذهم وكانوا خمسين غلامًا ثم صار إلى مكان آخر فأخذ منه خمس مائة غلامٍ ثم صار إلى الموضع آخر فأخذ منه مائة وخمسين غلاما وجمع من الغلمان خلقًا كثيرًا وقام فيهم خطيبًا فمناهم ووعدهم أن يقودهم ويرأسهم ويملكهم ولا يدع من الإحسان شيئًا إلا فعله لهم ثم دعا قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم وحملتوهم ما لا يطيقون فكلمني أصحابي فيكم فرأيت إطلاقكم فقالوا‏:‏ إن هؤلاء الغلمان أباق فهم يتهربون منك فخذ منا مالًا وأطلقهم لنا ‏.‏

فأمر بهم فبطح كل قوم مولاهم وضرب كل واحد منهم خمسين سوطًا واحلفهم بطلاق نسائهم أن لا يعلموا أحدًا بموضعه وأطلقهم ‏.‏

ثم خرج حتى عبر دجيلًا واجتمع إليه السودان فلما حضر العيد ركز المردي الذي عليه لواؤه وصلى بهم وخطب للعيد وذكر ما كانوا فيه من الشقاء وأن الله سبحانه استنقذهم من ذلك وأنه يريد أن يرفع أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال والمنازل ويبلغ بهم أعلى الأمر ثم حلف لهم على ذلك وكانوا جمعًا كبيرًا وليس لهم إلا ثلاثة أسياف وأهدي له فرس فلم يجد له سرجًا ولا لجامًا فركبه بحبل وسنفه بليف ‏.‏

وما زال ينتقل من مكان إلى مكان ويأخذ ما يقدر عليه وينتهب السلاح وغيره حتى صار له قوة وخاف الموالي منه أن يردهم إلى مواليهم فحلف لهم يوثق من نفسه وقال‏:‏ ليحط بي منكم جماعة فإن أحسوا مني غدرًا فليقتلوني ‏.‏

وأعلمهم أنه لم يخرج لعرض الدنيا بل غضبًا لله عز وجل ولما رأى من فساد الدين ‏.‏

ومر على قرية فخالفوه فانتهب منها مالًا عظيمًا وجوهرًا كثيرًا وغلمانًا ونسوة وذلك أول سبي سباه وما زال يعيث وينتهب فجاءه رجل من أهل البصرة فسأله عن البلالية والسعدية فقال‏:‏ إنما جئت إليك برسالتهم يسألونك شروطًا فإن أعطيتهم إياها سمعوا لك وأطاعوا ‏.‏

فأعطاهم ما سألوا وكان يحارب فله وعليه إلى أن اجتمع عليه خلق كثير من أهل البصرة فقال‏:‏ اللهم إن هذه ساعة النصرة فأعني فزعموا أنه رأى طيورًا بيضاء فأظلتهم ‏.‏

وكان سبب هزيمة أعدائه وقتلهم فقوي عدو الله ودخل رعبه في قلوب أهل البصرة وكتبوا إلى السلطان يخبرونه خبره فوجه جعلان التركي ونزل الخبيث سبخة وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ وبثهم في القرى يغيرون ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن عبد الله بن أبي الغمر عمر بن عبد الرحمن توفي في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمداني ‏.‏

سمع من عفان بن مسلم وكان كثير الطلب للحديث منهمكًا في كتابته ‏.‏

قال عبد الله بن وهب الدينوري‏:‏ كنا نذكر إبراهيم بن الحسين بالحديث فيذاكرنا بالقمطر وكان يذاكر بالحديث الواحد فيقول عندي منه قمطر ‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ سمعت أبا القاسم يوسف بن الحسن اليفكري يقول‏:‏ سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الزنجاني يقول‏:‏ قال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذاني‏:‏ كتبت في بعض الليالي الحديث فجلست كثيرًا وكتبت ما لا أحصيه حتى أعييت ثم خرجت أتأمل السماء فكان أول الليل فأتممت حزبي وأصبحت وصلينا الصبح ثم حضرت باب حانوت تاجر وكان هوذا يكتب حسابًا ويؤرخه بيوم السبت فقلت‏:‏ سبحان الله أليس اليوم يوم الجمعة فضحك وقال‏:‏ إسماعيل بن يوسف أبو علي الديلمي كان أحد العباد الورعين والزهاد المتقللين وكان حافظًا للحديث بصيرًا به ثقة في روايته ‏.‏

جالس أحمد بن حنبل ومن بعده من الحفاظ وحدث عن مجاهد بن موسى ‏.‏

وروى عنه‏:‏ العباس بن يوسف الشكلي ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الجوهري قال‏:‏ أخبرني محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا أبو الحسين بن المنادي قال‏:‏ وإسماعيل الديلمي كان من خيار الناس وذكر لي أنه كان يحفظ أربعين ألف حديث قالوا‏:‏ وكان يعبر إلى الجانب الشرقي قاصدًا محمد بن اشكاب الحافظ فيذاكره بالمسند وكان إسماعيل من أشهر الناس بالزهد والورع والتميز بالصون وأما مكسبه فكان من المساهرة في الأرجاء ‏.‏

أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عمر النهرواني قال‏:‏ حدثنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدثنا محمد بن مخلد العطار قال‏:‏ حدثنا حامد بن محمد بن الحكم قال‏:‏ حدثنا كردان قال‏:‏ قال إسماعيل الديلمي‏:‏ اشتهيت حلواء وأبلغت شهوته إلي فخرجت من المسجد بالليل لأبول فإذا على جنبتي الطريق أخاذين حلواء فنوديت‏:‏ يا إسماعيل هذا الذي اشتهيت وإن تركته خير لك ‏.‏

فتركته‏:‏ قال ابن مخلد‏:‏ قد كتبت أنا عن كردان‏:‏ كان يكون بقنطرة بني زريق وقد رأيت إسماعيل الديلمي هذا من خيار المسلمين وكان ما شئت من رجل رأيته عند أبي جعفر بن إشكاب ‏.‏

قال المعافى إسماعيل الديلمي كان من خيار المسلمين والناس يزورون قبره وراء قبر معروف الكرخي بينهما قبور يسيرة وحدثني بعض شيوخنا أنه كان حافظًا للحديث كثير السماع وأنه سهل بن محمد أبو حاتم السجستاني كان عالمًا باللغة والشعر كثير الرواية عن أبي زيد وأبي عبيدة قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين وكان حسن العلم بالفروض وله شعر جيد وعليه يعتمد ابن دريد في اللغة ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد أبو محمد السمرقندي الدرامي من بني درام بن مالك بن حنظلة ولد سنة إحدى وثمانين ومائة رحل في طلب الحديث وسمع من أبي نعيم والحميدي وأبي اليمان وغيرهم ‏.‏

وبرع في علم الحديث وحفظ وأتقن وجمع الثقة والصدق والورع والعفاف والزهد والعقل الكامل وألح عليه السلطان في قضاء سمرقند فتقلده وقضى قضية واحدة ثم استعفى فأعفي ‏.‏

وصنف ‏"‏ المسند ‏"‏ و ‏"‏ التفسير ‏"‏ و ‏"‏ الجامع ‏"‏ ‏.‏

وحدث عنه‏:‏ بندار ومسلم بن الحجاج والترمذي وغيرهم ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ وأنبأنا زاهر بن الحسين البيهقي قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله النيسابوري قال‏:‏ سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه يقول‏:‏ سمعت أبا القاسم عمرو بن محمد الأنصاري يقول‏:‏ سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم يقول‏:‏ كنت عند أحمد بن حنبل فذكر عبد الله بن عبد الرحمن فقال‏:‏ ذلك السيد ثم قال أحمد‏:‏ عرض علي الكفر فلم أقبل وعرضت عليه الدنيا فلم يقبل ‏.‏

توفي يوم عرفة وكان يوم الجمعة من هذه السنة وهو ابن خمس وسبعين سنة وقيل توفي سنة خمسين ولا يصح ‏.‏

عبيد بن محمد بن القاسم أبو محمد الوراق النيسابوري سكن بغداد وحدث بها عن أبي النفر هاشم بن القاسم وبشر الحافي ‏.‏

روى عنه‏:‏ ابن أبي الدنيا والباغندي وكان ثقة ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

أبو عثمان الجاحظ البصري كان جده أسود جمالًا وكان من متكلمي المعتزلة وهو تلميذ أبي إسحاق النظام والناس يعجبون بتصانيفه زائدًا في الحد وليس الأمر كذلك بل له جيد ورديء ‏.‏

حدثنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى النديم حدثنا يموت بن المزرع قال‏:‏ قال لنا عمرو بن بحر الجاحظ‏:‏ ما غلبني قط إلا رجل وامرأة ‏.‏

فأما الرجل‏:‏ فإني كنت مجتازًا في بعض الطرق فإذا أنا برجل قصير بطين ‏.‏

كبير الهامة طويل اللحية متزر بمئزر وبيده مشط يسقي به شقه ويمشطها به فقلت في نفسي‏:‏ رجل قصير بطين ألحى فاستزريته فقلت‏:‏ أيها الشيخ قد قلت فيك شعرًا فترك المشط من يده وقال‏:‏ قل ‏.‏

فقلت‏:‏ كأنك صعوة في أصل حش أصاب الحش طش بعد رش فقال لي‏:‏ هات ‏.‏

فقال‏:‏ كأنك كندب في ذنب كبش مدلدلة وذاك الكبش يمشي ‏.‏

وأما المرأة‏:‏ فإني كنت مجتازًا في بعض الطرقات فإذا أنا بامرأتين وكنت راكبًا على حمارة فضرطت الحمارة فقالت إحداهما للأخرى‏:‏ وي حمارة الشيخ تضرط ‏.‏

فغاظني قولها فأعننت ثم قلت لهما‏:‏ إنه ما حملتني أنثى قد إلا وضرطت ‏.‏

فضربت يدها على كتف الأخرى وقالت‏:‏ لقد كانت أم هذا منه في جهد جهيد تسعة أشهر ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الصيرمي قال‏:‏ أخبرنا المرزباني قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الجرجاني حدثنا المبرد قال‏:‏ دخلت على الجاحظ في آخر أيامه وهو عليل فقلت له‏:‏ كيف أنت قال‏:‏ كيف يكون من نصفه مفلوج فلو نشر بالمناشير ما أحس به ونصفه الآخر منقرس فلو طارت أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت أيام الشباب لقد كذبتك نفسك لبس ثوب دريس كالجديد من الثياب توفي الجاحظ في محرم هذه السنة

محمد المعتز بالله بن المتوكل على الله‏:‏ خلعوه وحبسوه ومنعوه الطعام والشراب حتى مات على ما سبق في الحوادث وذلك لليلتين خلتا من شعبان هذه السنة فبقي في الولاية أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يومًا ‏.‏

وقيل‏:‏ ثلاث سنسن وستة أشهر وثلاثة عشر يومًا وكان عمره أربعة وعشرين سنة ‏.‏

الفضل بن سهل بن إبراهيم بن العباس الأعرج مولى بني هاشم سمع حسينًا الجعفي وشبابة ‏.‏

روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم في الصحيحين وكان شديد الذكاء والفطنة من الثقات الأخيار ‏.‏

توفي في صفر من هذه السنة ‏.‏

محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير أبو يحيى البزار يعرف بصاعقة وإنما سمي صاعقة لأنه كان جيد الحفظ ولد سنة خمس وثمانين ومائة وأصله فارسي ‏.‏

سمع عبد الله بن موسى وعبد الوهاب بن عطاء وأسود بن عامر وقبيصة وغيرهم ‏.‏

وكان عالمًا حافظًا متقنًا ضابطًا ثقة حدث عنه البخاري في صحيحه وغيره وتوفي في شعبان من هذه السنة وله سبعون سنة ‏.‏

محمد بن كرام أبو عبد الله السجزي ولد بقرية من قرى زريح ونشأ بسجستان ثم دخل بلاد خراسان وسمع الحديث وأكثر الرواية عن أحمد بن عبد الله الجوبياري ومحمد بن تميم الفاريابي وكانا كذابين وقد صرح في كتبه بأن الله جسم تعالى عن ذلك ومن مذهب الكرامية‏:‏ أن الله سبحانه مماس لعرشه وأن ذاته محل للحوادث في هذيانات فلا هو سكت سكوت الزاهدين ولا تفلق بكلام المتكلمين ‏.‏

وذكره أبو حاتم بن حبان الحافظ في كتاب ‏"‏ المجروحين ‏"‏ فقال‏:‏ كأنه خذل حتى التقط من المذاهب أردأها ومن الأحاديث أوهاها ثم جالس الجوبياري ومحمد بن تميم ولعلهما قد وضعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة والتابعين مائة ألف حديث ثم جالس أحمد بن حرب الأصفهاني بنيسابور فأخذ عنه التقشف ولم يكن يحسن العلم ولا الأدب وأكثر كتبه المصنفة صنفها له مأمون بن أحمد السلمي وكان تلميذه ‏.‏

وذكره أبو عبد الله الحاكم فقال‏:‏ جاور بمكة خمس سنين ثم انصرف إلى سجستان فباع ما كان يملكه بمال وانصرف إلى نيسابور فحبسه محمد بن عبد الله بن طاهر وطالت محنته وكان يغتسل كل جمعة ويتأهب للخروج إلى الجامع ثم يقول للسجان‏:‏ أتأذن لي في الخروج فيقول‏:‏ لا فيقول‏:‏ اللهم إنك تعلم أني بذلت مجهودي والمنع من غيري ‏.‏

ومكث بنيسابور أربع عشرة سنة ثمانية منها في السجن وكان يلبس في أول أمره مسك ضأن مدبوغ غير مخيط وكان على رأسه قلنسوة بيضاء ويجلس فيعظ ويذكر ‏.‏

خرج من نيسابور في شوال سنة إحدى وخمسين ومائتين وتوفي ببيت المقدس في صفر سنة خمس وخمسين ودفن بباب أريحاء بقرب يحيى بن زكريا عليهما السلام وكان أصحابه ببيت محمد بن عمران بن زياد بن كثير أبو جعفر الضبي النحوي الكوفي مؤدب عبد الله المعتز حدث عن أبي نعيم وأحمد بن حنبل وغيرهما وكان الغالب عليه الأخبار وما يتعلق بالأدب وكان ثقة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن القاضي أخبرنا أحمد بن عبد الله الدوري حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال‏:‏ كان محمد بن عمران الضبي على اختيار القضاة للمعتز فاجتمع إليه القضاة والفقهاء وكان الضبي قبل ذلك معلمًا فنعس ثم رفع رأسه فقال‏:‏ تهجوا قال الجوهري‏:‏ وكان شيخًا طوالًا يحفظ حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحفظ الأخبار والملح ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا محمد بن علي بن يعقوب القاضي قال‏:‏ قال لي بن عرابة المؤدب‏:‏ حكى لي محمد بن عمر الضبي أنه حفظ ابن معتز - وهو يؤدبه - النازعات وقال له‏:‏ إذا سألك أمير المؤمنين أبوك‏:‏ في أي شيء أنت فقل‏:‏ أنا في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات فسأله أبوه‏:‏ في أي شيء أنت فقال‏:‏ أنا في السورة التي تلي عبس ‏.‏

فقال له‏:‏ من علمك هذا قال‏:‏ مؤدبي فأمر له بعشرة آلاف درهم ‏.‏